بحث جاهز للطباعة بعنوان تاريخ الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية
اقدم الى الباحثين والطلبة في مجال العلوم الاجتماعية بحث بعنوان تاريخ الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية.
للتحميل وطباعة البحث انسخ الموضوع وقم بلصقه على word
للمزيد من البحوث تابع مدونة بحوث جامعية ومذكرات التخرج
خطة البحث
المبحث الأول :المعالم الاجتماعية للحضارة اليونانية
المطلب الأول : التعريف بالحضارة اليونانية(750ق.م/146ق.م)
المطلب الثاني :البيئة الاجتماعية
المطلب الثالث :الديانة في الحضارة اليونانية
المبحث الثاني :معالم الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية
المطلب الأول : نشأة الفلسفة والفكر اليوناني والحركة السفسطائية
المطلب الثاني : سقراط (496ق.م/399ق.م)
المطلب الثالث : أفلاطون(427 ق.م/347 ق.م)
المطلب الرابع : أرسطو(384 ق.م/322 ق.م)
خاتمة
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدمة
لم يكن علم الاجتماع وليد لحضة يمكن تحديدها ولم يكتف بتفسير المجتمع نحو العمق بل يعتمد لتغييره نحو الأفضل فقد بدأ التفكير في المجتمع وشؤونه منذ إن بدأ الانسان يفكر في أسلوب حياته وكيفية تعديل البيئة لكي تتوائم مع ظروفه ومنذ أن بدأ الإنسانأيضا يعمل على تكييف ظروفه لتتفق مع مايدور حوله في عالمه الذي يعيشه .
واذا تعمقنا تاريخ الحضارات القديمة فباستطاعتنا الوقوف على صورة الحياة الاجتماعية وملامحها في الشرق القديم وماتذخر به الآثار من تصوير لهده الحياة وما كان يمارس من نضم التفكير في الانسان والمجتمع والقواعد الاخلاقية. فلم يبدأ الفكر عند اليونان ولم ينته هناك فالحضارة اليونانية القديمة هي جزء من الكل لا يمكن ان نفصلها عما قبلها او نرجع تطور ما بعدها ونقصره عليها وحدها والفكر مر في تطوره قبل اليونان بمراحل عدة ومر بعدها بمراحل اكثر ولا يزال يتطور فالجمود صفة لايعرفها الفكر فلا يمكن لحضارة ان تتعلم الطيران قبل ان تتعلم المشي اولا .ومنذ القرن السابع عشر ق.م بدأ الشعب اليوناني عهدا جديدا من الفكر العقلي الحقيقي كما شاء لذلك التفكير ان يثبت ويتابع نماءه وتطوره والمشكل المطروح ........
المبحث الأول :المعالم الاجتماعية للحضارة اليونانية
المطلب الأول : التعريف بالحضارة اليونانية (750 ق م - 146 ق م (
تشتهر اليونان بجمال وتنوع مظاهر الطبيعة فيها، فهناك الجبال والسهول والجزر والجو الدافئ والشمس المشرقة. وقد نشأت الحضارة اليونانية وسط هذه الطبيعة الساحرة وتأثرت بها . وفي عام 447 قبل الميلاد ، لم تكن مدينة (( أثينا))هي أكبر مدينة في العالم القديم ، ولكنها كانت بالتأكيد واحدة من أكثر المدن أهمية ونشاطا . في ذلك الوقت كان يعيش في البلاد اليونانية أحد ألمع شعوب العالم القديم ( كان يطلق عليهم (( الإغريق )) )، حيث تم تأليف الكتب والمسرحيات وجرى التعليم والتدريس على نطاق واسع. وكان اليوناني متعلقا بأرضه يزرع فيها بنشاط ثم فتش عن موارد أخرى للعيش مثل صيد الأسماك والتجارة. في اليونان القديمة، كان المواطنون يديرون حكومتهم بأنفسهم، وكان (( المجلس الحكومي )) يتكون من خمسمائة رجل، وهو المسئول مباشرة عن شؤون الدولة. وكان هذا المجلس يجتمع ثلاث مرات كل شهر .وكان أعضاؤه يتناقشون ويصوتون على القوانين والأمور الهامة مثل الدخول في حرب أو عقد معاهدة سلام. وكل عام كان يتم اختيار مجموعة جديدة من خمسمائة شخص آخرين عن طريق إجراء (( قرعة )) بين السكان ، وبهذه الطريقة ، أتيحت لكل المواطنين فرصة لخدمة بلادهم من خلال (( المجلس الحكومي )) . صنع اليونانيون القدماء كثيرا من المنتجات الجميلة والرائعة مثل الفخار والأدوات المعدنية والتماثيل. ودرس أكثر الطلاب اليونانيين، (( الإلياذة (( و ((الأوديسة )) وهي قصائد حماسية طويلة للشاعر (( هوميروس ))، تتناول سير الحروب والأبطال القدماء. كان الرياضيون يشاركون في المسابقات الأوليمبية التي تقام كل أربعة أعوام . وكانوا يتصارعون ويتلاكمون ويقذفون القرص والرمح ويتسابقون في العدو . كما درس اليونانيون القدماء الهندسة والفلك ولاحظوا بدقة الشمس والقمر والكواكب والنجوم . ودرس الطبيب اليوناني (( أبقراط )) الأمراض ، ووصف حالات مرضية معينة لاحظها ، واقترح العلاج المناسب لها ، وقد وضع قواعد أخلاقية ، لكل من يمتهن مهنة الطب ، ولا زال الأطباء يلتزمون بها حتى الوقت الحاضر . وبحث المفكرون اليونانيون ودرسوا من أجل الفهم العميق لأنفسهم وللعالم من حولهم، وأطلق عليهم (( الفلاسفة )) أي (( محبو الحكمة )). ولا شك أن (( سقراط )) و (( أفلاطون (( و (( أرسطو )) يعتبرون أعظم الفلاسفة اليونانيين . والحقيقة أن أفكارهم مازالت تؤثر على تصورات المفكرين المحدثين .(1)
المطلب الثاني : البيئة الاجتماعية
صحيح أن إغريق القرن الخامس كانوا يعيشون تحت دساتير مختلفة، وأنهم كانوا يفكرون بالعالم بطرائق مختلفة جداً عن الرجال والنساء في الحضارات الأولى، إلا أن بعض الأشياء لم تتغير كثيراً منذ نهاية عصور الظلام، إننا قد ننسى أحياناً حتى اليوم الكثيرين من الناس هم فلاحون، وفي العالم الإغريقي كان أكثر الناس يحصلون معيشتهم من الأرض، حيث ظلت الزراعة شاقة
وبدائية حتى مع ظهور الأدوات الحديدية. أما في مجال التصنيع، فلم يكن هناك إلا بضع مئات من الفخارين هم الذين يصنعون الأعمال التي اشتهرت أثينا بتصديرها. وكان أكبر معمل للتروس في المدينة يعتبر هائلاً لأن فيه 120 عاملاً. وكان هناك عدد قليل نسبياً من الحدادين والحجارين وصناع الدروع والمجوهرات وغيرها من الاختصاصات. لقد بقيت الزراعة عماد الاقتصاد، مثلما هي الحال اليوم في كثير من دول العالم، ولكنها لم تنتج ثروة كبيرة، ولو أن الزيتون والكرمة قد وسعا من إمكانياتها، لأن تربة اليونان ليست غنية في العادة، فظلت المحاصيل قليلة وضعيفة النوعية طوال الأزمنة الكلاسيكية. وكانت بقع الأرض صغيرة جداً ، فحتى الرجل الغني لم يملك إلا 20-30 هكتاراً من أراضي الحبوب والكرمة معاً كما يبين تصنيف لمواطني أثينا بحسب الثروة وضع في القرن السادس. وقد ظل الاتجاه العام هو تقسيم الأملاك مرة بعد الأخرى عند الميراث، وكان أكثر الرجال الأحرار من صغار الملاك بمقاييسنا. وقد اقتضى الاعتماد على الزراعة في أراض صغيرة أن تكون الحياة شاقة وبسيطة، فإنك حين تنظر إلى آثار اليونان العظمية مثل بناء
البارثينون في أثينا أو المعابد الإغريقية الكثيرة الباقية فقد تشكل انطباعاً خاطئاً عن الحياة في اليونان القديمة، لأن هذه كانت أبنية عامة تمول بموارد جماعية، ولكن الحقيقة أن أكثر الإغريق كانوا يعيشون في بيوت صغيرة متواضعة ويأكلون طعاماً بسيطاً، ولم يكن لديهم عبيد ولا حتى خدم.
ولقد شكلت القبيلة نواة المجتمع الأثيني، وبرزت فئات طبقية متعددة أساسها المهنة كالكهنة والتجار والعمال والصناع والرعاة. وامتاز المجتمع الأثيني بالطبقية على أساس الثروة التي كانت تقدر بمساحة الأرض المملوكة أو المنقولة بالوراثة دون تقسيم، وقد انقسم المجتمع الأثيني إلى الفئات التالية: المواطنون الأصليون، أي من أبوين أثينيين ولهم الحقوق كاملة؛ الميتيك أي الأغراب الذين استوطنوا أثينا وليس لهم أية حقوق سياسية ومدنية؛ والعبيد ومصدرهم الأسر والتوالد والدَّين، ويعتبر الرقيق مالا في تصرف سيده.ولم يكن التشريع الإغريقي يعترف بحقوق المرأة فهو يعتبرها مخلوقاً تقل قيمته الإنسانية عن قيمة الرجل، يعلن عن ذلك أرسطو في قوله: "إنَّ الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يعتد به، ولذلك يجب أن تُقتصر تربيتها على شؤون التدبير المنزلي والأمومة والحضانة وما إلى ذلك"، كما نجده وضع المرأة في مرتبة المحجور عليهم الذين ليس لهم أهلية التصرف في أنفسهم، فقال:
أ- العبد ليس له إرادة.
ب- الطفل له إرادة وهي ناقصة.
ج- المرأة لها إرادة وهي عاجزة.
وظلت المرأة اليونانية سليبة الحق مهضومة الجانب، تتزوج بدون رضاها وتحرم من الثقافة والتعليم، فكل شؤون الحياة الخارجية لاتهم إلاَّ الرجل حتى سمي المجتمع اليوناني بنادي الرجال[10]، وانطلاقاً من نظرة اليونانيين السيئة إلى المرأة اختلفوا فيها: هل هي بشر؟ وهل لها نفس ناطقة؟ وعلى فرض كونها إنساناً فهل وضعها بالإضافة للرجل وضع الرقيق بالإضافة إلى مولاه أو أرفع بقليل؟
وتجسداً لها التفكير كان شأن المرأة في بيت الرجل شان خادمة بسيطة وظيفتها قضاء الحوائج البيتية والجنسية فقط، وللرجل الحق في أن يهديها أو يوصي بمتعتها لمن يشاء، وله منعها ما يتجاوز ثمنه قيمة ستين كيلو جراماً من الشعير[وكانت نتيجة ذلك أنَّ كثر عدد البغايا، وأصبح عدد الأبناء غير الشرعيين وافراً؛ إذ تمردت المرأة على المجتمع لسوء معاملته لها، وخرجت عن حدوده وقوانينه فكان منهن من تتخلص من أعباء الأمومة فتلقي أبناءها على قارعة الطريق.(1)
المطلب الثالث: الديانة في الحضارة اليونانية
عبد اليونانيون آلهة عدة، فكان لكل قوة في الأرض أو في السماء أو لكل مهنة أو فن إله خاص، وكانت آلهتهم تنقسم إلى قسمين، الآلهة الصغرى وهي آلهة السماء والأرض. والآلهة الكبرى وهي آلهة الأولمب.. وهم 12 إلهاً.
ويأتي زيوس في مقدمة ارباب الاولمب وهو -في المعتقد اليوناني القديم- رب الارباب والناس جميعا، وكان يتحكم في كل الظواهر الجوية وكانت له قدرة خارقة تفوق قوة الآلهة.. فهو سيد مجلس الآلهة وقد اتصلت عبادته باسماء مناطق كثيرة اهمها اولمبيا التي يوجد فيها معبده.
أما هيرا، واسمها يعني السيدة، فقد جعل الاغريق منها زوجة شرعية لزيوس واختا له، ولا تحكم علاقتهما قوانين..
وكانت هيرا جميلة وقوية الشخصية، متعالية سريعة الانفعال والانتقام، وعرفت الآلهة هيرا بأنها حافظة رباط الزواج المقدس، فكانت ربه للزواج وربة النساء.
وتأتي في المرتبة الثالثة أفروديت ربة الحب والجمال والخصب والتناسل، وقد عبدت في كل ارجاء العالم الهيليني «الاغريقي»،
وقد كان للآلهة الأرضية طقوس حزينة يتقى من خلالها شرها ويسكن وكان للآلهة الأولمبية طقوس سارة كلها ترحيب وثناء عليها. ولم تكن هذه أو تلك تحتاج إلى كهنة يقومون بها . فقد كان الأب يقوم مكان الكاهن في الأسرة، وكان الحاكم
الأكبر يقوم مقامه في الدولة. وكانت كل حكومة ترعى الطقوس الدينية الرسمية وترى أنه لا بد منها للنظام الاجتماعي والاستقرار السياسي.
وكان الاحتفال يتألف من موكب، وأناشيد، وقربان؛ وأدعية، يضاف إليها في بعض الأحيان وجبة مقدسة؛ وقد يشمل الموكب سحرة وجماهير من الممثلين يعملون مجتمعين، ومسرحية تمثيلية. وكان أهم أجزاء الطقوس في معظم الأحيان تحددها العادات المألوفة؛ وكانت كل حركة فيها، وكل كلمة في الترانيم أو الصلوات، مدونة في كتاب محفوظ عند الأسرة أو الدولة مقدس لديها، لا يكاد يتغير فيه لفظ، أو جزء من لفظ، أو نغمة من النغمات
خشية ألا يحب الإله هذه البدعة أو ألا يفهمها كما سادت المجتمع اليوناني الكثير من الخرافات التي أوشكت أن تصبح علما من علوم الطبيعة ونذكر كمثال على ذلك سكن الجن للمريض وإنتقال العدوى في حالة ملامسته.(1)
المبحث الثاني : معالم الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية
المطلب الأول: نشأة الفلسفة و الفكر اليوناني عند الطبيعيين والاوائل قبل مجيء سقراط والحركة السفسطائية
ان ميلاد الفلسفة و بعدها الفكر الاجتماعي عند اليونان تم في شروط خاصة وعلى أرضية اجتماعية و ثقافية ميزت بشكل خاص المجتمع اليونانيو لعل ابرزتلك الشروط التي شهدها العالم الفكري عند اليونان هو التقابل بين الميتوس و اللوغوس اللذين يكشفان كيانيين متعارضين ولعل الاهم هو انتقالالفكراليوناني من اللحظة الشفهية إلى اللحظة الكتابية, أي من النص الشفوي إلىالنص المكتوب. و في هذا الإطار ظهرت الفلسفة باستعمالها لعبارات و مفاهيممجردة, مختلفة كل الاختلاف عن ما هو وارد في الأسطورة فتبين أن بينالأسطورة و الفلسفة, أو بين الميتوس و اللوغوس اختلافا و تقابلا على مستوىالشكل و المضمون. فعلى المستوى الأول ظهرت الأسطورة كخطاب يقوم على السرد والحكي, أما على المستوى الثاني فهي تحكي وقائع تتعلق بالآلهة و صراعاتهم. أما بالنسبة للفلسفة فهي على مستوى الشكل تقوم على البرهان و الحجة, و علىمستوى المضمون فهي تتعامل مع المفاهيم ( تصورات من إنتاج العقل يفهم منخلالها موضوعات معينة ) و كان ذلك على يد طاليس ما بين القرن السادس والرابع ق.م
عاش هؤلاء المفكرين ( طاليس و آخرون ) قبيل ميلاد سقراط 469 ق.م , كاناهتمامهم الاول بطبيعة الكون و مصدره , اصل الحقيقة والواقع , و التوقلمعرفة اصل الجوهر الكامن وراء المظاهر حيث انه فقط بإدراك الاصل الكامنيمكن معرفة الحقيقة حقيقة المظهر.
الفلاسفةو المفكرين السابقين لسقراط يلتمسون للظواهر الطبيعية تفسيراتمستمدة من الطبيعة تتسبب في احداث ما يقع من احداث و لعل اهميتهم تكمن فيانهم ابتدعوا طرق التفكير و بحثوا في كل المسائل و طريقتهم في البحث ومنهجيتهم لو صح القول هي الاساس و التراث و المنهل الذي اعتمد عليه من جاءبعدهم و لعل الفكر الاجتماعي لم يدخل ضمن حسابات تلك الفترة و لكن منالمؤكد ان المنهجية التي اتبعت في التفكر في اصل الاشياء هي نفسها المنهجيةالتي اتبعت في الفكر الاجتماعي و منبعها و اصلها واحد .(1)
السفسطائيون :
Sophia الاصل اللغوي لكلمة
هو الحكمة والمعرفة
لقد ارتبط مفهوم السفسطة بالحركة السفسطائية وهي حركة فكرية واجتماعيةنشأت وترعرعت في اليونان القديمة خلال القرن الخامس قبل الميلاد , لم يكنهدف السفسطائيين الكشف عن حقيقة موضوعية، أو اقامة معايير موضوعية تقومعلى أساس حقيقة ضرورية. لقد توصلوا من خلال عملهم كأساتذة جوالين ينتقلون من مدينة إلى أخرى، يعلّمون ويجمعون الملاحظات والوقائع الجزئية حول اختلافالآراء والمعتقدات، الى نتيجة مفادها " أنه من المستحيل أن تكون لديكمعرفة يقينية " ، أي لا توجد حقيقة ثابتة ، وكل حقيقة هي نسبية، ما دام" الانسان مقياس الأشياء جميعا، فهو مقياس وجود ما يوجد منها ، ومقياس لاوجود ما لا يوجد " . وهذه أشهر عبارة نسبت الى مؤسس الحركة السفسطائية بروتاغوراس(و 481 ق.م).و لعل اهم ما جاءت به السفسطة في الفكر الاجتماعي انافكارهم حولت الانتباه من الطبيعة التي استحوذت على فكر و جهد من قبلهمالى الانسان و المجتمع و الاعراف فاصبح في قلب اهتمامهم
لعبوا دورا ً اساسيا ً في نشر التعليم بمختلف اشكاله من نحو و شعر و تعليم و فلسفة و كذلك في تعليم الناس فن الحياة
من الآراء الجديدة التي طرحوها فكرة المساواة بين البشر و الدعوة الى القانون الطبيعي بمقابل القانون الاثيني الذي يقسم العامة لنبلاء و عبيد
لقد وصف بروتاغوراس قانون مدينة أثينا بأنه" طاغية البشر، لأنه يرغمهم على فعل أمور كثيرة تضاد الطبيعة ويعني بـ " تضاد الطبيعة" التعارض مع القوانين الطبيعية، القوانين غير المدونة والمتعارف عليها ولقد دفع هذا الموقف تجاه قانون المدينة الى التجرؤ والاعلان " بأن النبالة زيف، وأن جميع البشر متساوون وأن القانون عقد يصبح الحق بواسطته مضمونا بالتبادل وطالب تلميذ لجورجياس بتحرير العبيد باسم القانون الطبيعي. "
هذا الاتجاه عند السفسطائيين يدفع إلى إنكار الطابع الموضوعي المطلق للحقيقة، ويهدف ليس الى الاقناع، بل الى المناقشة والجدل
ودافعوا عن نسبية الحقيقة وارتباطها بالظروف المتغيرة، فانتهوا إلى التأكيد على أهمية اللجوء للحيل الخطابية والألاعيب القولية لتحقيق المصالح الشخصية، وعلى رأسها التأييد الجماهيري في المعارك السياسية التي كانت أثينا مسرحا لها خلال هذه الفترة. ولم يكتف السفسطائيون بممارسة السفسطة وحدهم، بل تمكنوا من إقناع صفوة المجتمع آنذاك بضرورة تلقي دروس في هذا المجال إن كانوا يرغبون في تحقيق مصالح اجتماعية وسياسية واقتصادية،فتمكنوا بفضل ذلك من جمع ثروات عظيمة. غير أن هذه الحركة ستتعرض لنقد لاذعمن طرف المدرسة العقلانية في الفلسفة اليونانية ممثلة بشكل أساسي في سقراطوأفلاطون وأرسطو، فقد حاول هؤلاء الكشف عن مظاهر التمويه والخداع في أساليبالحجاج والنظر والمناظرة عند السفسطائيين، مما أدى إلى انحسار نفوذ هذهالحركة تدريجيا لتفسح المجال أمام التصور العقلاني المؤمن بالقيمة المطلقةللحقيقة، والذي سيغدو علامة مميزة للفكر اليوناني ولمختلف المدارس التيتأثرت به لاحقا، وهذا التصور تمثله الفلسفة باعتبارها نظرا عقليا غايتهالسير في طريق الحقيقة،و قد مهدت السفسطائية لبروز الإنسان كموضوع للبحث وطرح علامات استفهام حوله اولا و ثانيا ً حول مجتمعه و ما يحيط به اسئلة لميطرحها احد من قبل.(1)
المطلب الثاني : سقــراط ( 469 ق م– 399 ق م )
سقراط فيلسوف ومعلم يوناني جعلت منه حياته وآراؤه وطريقة موته الشجاعة، أحد أشهر الشخصيات التي نالت الإعجاب في التاريخ. صرف سقراط حياته تمامًا للبحث عن الحقيقة والخير. لم يعرف لسقراط أية مؤلفات، وقد عُرِفت معظم المعلومات عن حياته وتعاليمه من تلميذيه المؤرخ زينفون والفيلسوف أفلاطون وليس من سقراط نفسه مم شكل المشكل السقراطية، بالإضافة إلى ما كتبه عنه أريسطو فانيس وأرسطو. وُلد سقراط وعاش في أثينا. وكان ملبسه بسيطًا. وتعلم في بداية حياته الموسيقى والأدب والرياضة وعُرف عنه تواضعه في المأكل والمشرب. وولد لأب نحات وأم قابلة وفي ربيع حياته اشتغل نفسه بالنحت ونحت 3 تماثيل وضعت بالقرب من الاكرابولس وتزوج من زانْثِب التي عُرف عنها حسب الروايات أنها كانت حادة الطبع ويصعب العيش معها. وقد كان قصير القامة وبشع وخدم في الجندية وعدة معارك وقد أنجبت له طفلين على الأقل. وكان يهرب منها صباحا إلى مكان بعيد وقد قال تفلسف مرة قائلا تزوج يا بني فن وفقت أسعدت والا اصبحت فيلسوفا .
فلسفة سقراط
كان سقراط يعلم الناس في الشوارع والأسواق والملاعب. وكان أسلوب تدريسه يعتمد على توجيه أسئلة إلى مستمعيه، ثم يُبين لهم مدى عدم كفاية أجوبتهم. قُدّمَ سقراط للمحاكمة وُوجهت إليه تهمة إفساد الشباب والإساءة إلى التقاليد الدينية. وكان سقراط يؤمن بأن الأسلوب السليم لاكتشاف الخصائص العامة هو الطريقة الاستقرائية المسماة بالجدلية؛ أي مناقشة الحقائق الخاصة للوصول إلى فكرة عامة. وقد أخذت هذه العملية شكل الحوار الجدلي الذي عرف فيما بعد باسم الطريقة السقراطية. ومنهجه التهكم والتوليد حيث كان يطرح أسئلة على خصومه متسلسلا إلى أن يحرجهم وتمتاز عادة اسئلته بالسخرية ، وقد خاض سقراط جدلا قويا مع السفسطائيين الذين كانوا يتقاضون الأجر لتعليمهم. ولم يهتم بالطبيعة ولكنه اهتم بالعقل والإنسان وقد خدم كثيرا فلسفة الأخلاق من آراءه أن الفضيلة هي المعرفة والجهل هو سبب الرذيلة وأن
المعرفة الحقيقية تأتي من الداخل . وقد قدم اسهامات جيدة للمنطق ومبحث المعرفة ، وقد إعتبرت طريقته في وضع الأسئلة بداية لطريقة الفرض العلمي . حيث يناقش اي موضوع بوضع جميع الفروض الأسئلة ثم يعرفعها وينقض ما فيه تناقض وله مقولة في ذلك أن أحدا لن يصدقني ولكن السعادة العظمى أن أسأل نفسي والآخرين
اعتقد "سقراط" بأن أفضل طريقة يحيا بها البشر هي أن يركزوا على تطوير الذات بدلاً من السعي وراء الثروة المادية. وقد كان دائمًا ما يدعو الآخرين لمحاولة التركيز على الصداقات وعلى الإحساس بالمجتمع الحقيقي، لأن "سقراط" شعر بأن هذه هي الطريقة الفضلى لكي ينمو البشر كمجموعة. وقد وصل تطبيقه لهذه المبادئ إلى درجة أنه قبل في نهاية حياته الحكم بالإعدام في الوقت الذي ظن فيه الجميع أنه سيغادر أثينا هربًا منه، وذلك لأنه شعر بعدم القدرة على الهروب أو معارضة إرادة مجتمعه؛ وكما ذكرنا من قبل كانت بسالته المعروفة في أرض المعركة لا جدال فيها.
إن فكرة أن البشر يملكون فضائل معينة كانت تشكل ميزة مشتركة في كل تعاليم "سقراط". وتمثل هذه الفضائل السمات التي يجب أن يحظى بها كل إنسان، وعلى رأسها الفضائل الفلسفية أو العقلية. وقد أكد "سقراط" على أن "الفضيلة هي أقيم ما يملكه الإنسان؛ والحياة المثالية هي تلك الحياة التي تنقضي في البحث عن الخير. وتكمن الحقيقة وراء ظلال الوجود، ومهمة الفيلسوف هي أن يوضح للآخرين مدى ضآلة ما يعرفون بالفعل
ولقد عرف عنه أنه صاحب المثل والحكم منها:
-المرأة العظيمة هي التي تُعلمنا كيف نُحب عندما نريد أن نكره، وكيف نضحك عندما نريد أن نبكي وكيف نبتسم عندما نتألم
- لا فضيلة بلا معرفة-
- كل ما أعرفه أني لا أعرف شيئاً-
-إذا قلت للمرأة: أنتِ جميلة فافعل ذلك همساً، لأن الشيطان إذا سمعك ردد في أذنها صدى قولك مرات -
-خير الأمور أوسطها
-العقول مواهب والعلوم مكاسب -
-العلم هو الخير والجهل هو الشر
-كن مع والديك كما تحب أن يكون بنوك معك -
- لا تركن إلى الزمن فإنه سريع الخيانة-
-أقرب شيء الأجل و أبعد شيء الأمل-
-حسن الخلق يغطي عيوب المرء وسوء الخلق يقبح محاسن المرء.(1)
المطلب الثالث :أفلاطون (427 ق.م - 347 ق.م (فيلسوف يوناني قديم,واحد من أعظم الفلاسفة الغربيين,حتى ان الفلسفة الغربية اعتبرت إنها ماهي الا حواشي لأفلاطون.عرف من خلال مخطوطاته التي جمعت بين الفلسفة والشعر والفن.
.. ولد أفلاطون في أثينا لعائلة ارستقراطية, اسمه الحقيقي هو "أرسطو كليس", سمي أفلاطون لعرض كتفيه, حيث كلمة أفلاطون تعني "عريض الكتفين كان أفلاطون جندياً ومصارعاً بارزاً ,ونال جائزة الألعاب مرتين. أصبح تلميذاً لسقراط وتعلق به كثيراً ,وكان لأعدام استاذه سقراط بالسم وقع كبير على افلاطون, حيث ظهر ذلك جلياً في كتاباته الأولى. بعد اعدام سقراط غادر أفلاطون أثينا, حيث كان ساخطاً على الحكومة الديموقرطية هناك, وهو في الثامنة والعشرين من عمره, وجال عدة بلدان وتأثر بفلسفاتهم,ثم عاد الى أثينا وهو في الأربعينات من عمره.
كانت كتاباته على شكل رسائل وإبيغرامات(ابيغرام:قصيدة قصيرة محكمة منتهية بفكرة بارعة او ساخرة)لحكام الفلاسفة في الدولة المثالية . إختلفت كتابات أفلاطون مع تقدمه في العمر, حيث يظهر في كتاباته المبكره تأثره بسقراط, أما في كتاباته المتأخره أخذ يأخذ منحى آخر يختلف عن أستاذه
نظرية المُثُـل:
يعتقد أفلاطون اننا نسمي عدة اشياء بمسمى واحد لأنها تتضمن شيئاً مشتركاً, وهذا الشئ المشترك يمثل كمال هذه الصفة, وأطلق على هذا الشئ اسم "المثال".كما اعتقد انه لايمكن معرفة المُثُل بالحواس بل يمكن معرفتها فقط بالذهن, فهذه المُثُل غير موجودة في الواقع, ولأشياء الموجودة لاتعكس سوى قدر ضئيل من المواصفات الحقيقية للمثال, تماماً مثلما نرى فوهة الكهف التي لا تمثل الا جزءاً ضئيلاً من الكهف نفسة. ونظراً لثبات وكمال هذه المثل فإن المعرفة الحقيقية هي معرفة المُثُـل.
أفكاره عن المرأة:
تبدو أفكار أفلاطون عن المرأة، في البداية، لغزا لا يقبل الحل، وقد يتساءل المرء: كيف يمكن لفيلسوف متسق التفكير بصفة عامة، أن يؤكد من ناحية أن جنس الأنثى خُلق من أنفس الرجال الشريرة، من أنفس غير العقلاء، ثم يقترح من ناحية أخرى تربية متساوية، ودوراً اجتماعياً واحداً للجنسين؟
جمهورية أفلاطون :
الجمهورية كتاب فلسفي ألفه أفلاطون في عام 360 قبل الميلاد, الجمهورية هي المؤلف السياسي الرئيسي لأفلاطون وسماها كاليبوس مقترنة بالعدل ماهي الدولة العادلة ومن هم الافراد العادلون .الدولة المثالية بناء على افلاطون مكونة من ثلاث طبقات ، طبقة اقتصادية مكونة طبقة التجار والحرفيين طبقة الحراس وطبقة الملوك الفلاسفة يتم اختيار أشخاص من طبقة معينة يتم اخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة يتم أخيار الاشخاص الأفضل ليكونوا ملوك فلاسفة حيث استوعبوا المثل الموجودة في علم المثل ليخرجوا الحكمة .
ربط افلاطون طبقات المجتمع مع فضائل اجتماعية معينة مثلا طبقة التجار والحرفيين مرتبطة بفضيلة ضبط النفس ، طبقة الحراس مرتبطة بالشجاعة وطبقة الملوك الفلاسفة مرتبطة بالحكمة وفضيلة العدالة مرتبطة بكل المجتمع حيث دعا لفصل مهام الطبقات .
وقد شابه طبقات المجتمع بالنفس حيث العاقلة المريدة والمشتهية وقد قدم أول مفهوم للشيوعية التي تخص طبقة الملوك الفلاسفة حيث تنزع ثروتهم ويحدد لهم دخل ثابت و يمنعون من الزواج لانهم مرجعية كاملة كتشريع وقضاء وحكم .(1)
دولة القوانين عند افلاطون :
تختلف دولة القوانين عن دولة الجمهورية في كثير من الاوضاع فالروح العامة في القوانين روح دينية مسالمة واقعية ويظهر هادا واضحا اولا في اختيار المكان الدي تنشأ فيه الدولة وهو يقول ان الواجب ان يختار المكان بعد استشارة الالهة وتظهر هده الروح ايضا في العقاب في الدولة الجديدة فالجريمة هي تلك التي تكون ضد الدين والعقوبة الكبرى هي العقوبة على هده الجريمة ويجب ان يكون كل شيء مرتب على هادا الاساس .
ومن الناحية الاقتصادية يلاحظ ان الملكية لم تستبدل بها الشيوعية بل يحافظ على الملكية الى حد ما فليس ثمة ملكية مطلقة وانما يجب ان توزع الثروة العامة على جميع الافراد على حد سواء ومن الناحية الاجتماعية نجد ان الزواج لم يعد زواج الشيوع وانما اصبح الزواج بمعنى ان لا تتم مراسيم الزواج الى باستشارة الدولة اما الاولاد فهم لايزالون اولادا للدولة وهم ملك للدولة مند البداية ومن الناحية السياسية نجد افلاطون يضع على راس الدولة الجديدة مشرعين والمشرع يختلف عن الفيلسوف في ان الاول رجل قد اكتسب الحكمة العملية وبعد النضر في الواقع فقط واما المعرفة الفلسفية فهو خلو منها وهؤلاء الحكام يكونون مجالس تشرف على تنفيد القوانين.(1)
المطلب الرابع : أرسطو(384 ـ 322 ق.م)
رفض أرسطو شيوعية أفلاطون وقال بأن إلغاء الملكية الخاصة يقضي على الحافز لدى المتفوقين من الناس فالناس عادة لا يهتمون إلا بما يملكون ، كذلك فإن أرسطو (المتزوج والأب) رفض فكرة أفلاطون القائلة بإلغاء نظام الأسرة .
كذلك فقد طالب أرسطو بتحقيق العدل الاجتماعي بهدف تلافي المنازعات الداخلية.
وبالنسبة للطبقات قال بأن طبقة المواطنين هي التي تمتاز بالتشريف السياسي وهى القادرة على الحكم .أما الطبقات العاملة والحرفية فهي غير مؤهلة للاشتراك في الحكم حيث إن الطبيعة قد أهلتها فقط لتلقي الأوامر.اشتهر أرسطو بكتابه ’’السـياسـات‘‘ الذي احتوى على جانبين هامين ، يتعلق الأول بالدولة المثالية ، والثاني بالدولة القائمة فعلاً وأسباب انهيارها وكيف تحقق استقرارها .
الدولة المثالية ، هي الدولة التي يظلها القانون ، فالقانون في أية دولة صالحة يجب أن يكون هو السيد الأعلى ، وليس أي شخص كائناً من كان .
إن العلاقة بين الحاكم ورعيته تختلف عن أي نوع آخر من أنواع الخضوع ، لأنها لا تتعارض مع احتفاظ كل من الطرفين بحريته ، وعلى ذلك فهي تقتضي قدراً من المساواة بينهما ، على الرغم مما يمكن أن يكون بينهما من فوارق .
إن القانون هو العقل مجرداً عن الهوى ، والحكومة التي تستشير الفضلاء من رعاياها لا تتعارض مع القانون ، وللحكم الدستوري من وجهة نظره عنصران أساسيان :
1. يهدف للصالح العام (أي لصالح الرعية(
2. تدار الحكومة فيه بمقتضى قوانين تنظيمية عامة وليس تبعاً لأهواء الحاكم الشخصية .
رفض أرسـطو شـيوعية الأسـرة ، إذ لا تعارض بين وجودها ووجود الدولة ، وأباح الملكية الفردية . ورأى في التعليم قوة مساعدة على تكوين الرعايا الفاضلين .
(1)د-غريب سيد احمد :تاريخ الفكر الاجتماعي .دار المعرفة الجامعية 2004.ص131/132.
إن الغايات التي توجد من أجلها الدولة ، هي : تحقيق المثل العليا ، سيادة القانون ، الحرية ، المساواة ، والتقدم الإنساني .
تنقسم الحكومات إلى أنواع ثلاثة :
1. حكومة الفرد : وهي حكومة الفرد الواحد بسبب تفوقه في عمله وحكمته ، وإذا انحرفت نشأت الحكومة الاستبدادية .
2. الحكومة الأرستقراطية : وتمثل حكم الأقلية العاقلة الممتازة (الصفوة) ، وإذا انحرفت نشأت الحكومة الأوليغارشية .
3. الحكومة الجمهورية : وتقوم على مساواة الأفراد واشتراكهم في شؤون الدولة ، فإذا انحرفت نشأت الحكومة الديموقراطية .واعتبر أرسطو أن أفضال أشكال هذه الحكومات من الناحية العملية هي الحكومة الدستورية ، لأنها تجمع بين العناصر الصالحة في الديموقراطية والأوليغارشية [أي الحكومتين الجمهورية والأرستقراطية] ، وأساسها يتمثل في وجود طبقة متوسطة قوية
أرسطو و الطبيعة الاجتماعية للإنسان:
إن الإنسان بالنسبة لأرسطو " حيوان مدني " ( من اليونانية Polis أي " المدينة ") هو كائن اجتماعي بالطبع ، مضطر للاجتماع مع أمثاله لتكوين مجتمع، لذلك فإن فكرة إنسان " طبيعي " قبل ـ اجتماعي ليست إلا وهما ؛ وذلك لأن الإنسان ليس إنسانا إلا لكونه يجتمع مع أفراد آخرين غيره. " وأيضا فإن من لا يستطيع أن ينتمي لأي اجتماع بشري ، أو ذاك الذي ليس في حاجة إلى غيره باعتباره مكتفيا بذاته ، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يشكل جزءا من المدينة : وتبعا لذلك فهو إما حيوان وإما إله "
ارسطو و المثالية:
ان الانسان المثالي في رأي ارسطو هو الذي لا يعرض نفسه بغير ضرورة للمخاطر، ولكنه على استعداد ان يضحي بنفسه في الازمات الكبيرة، مدركا ان الحياة لا قيمة لها في ظروف معينة.
وهو يعمل على مساعدة الناس ، ولكنه يرى العار في مساعدة الناس له ، لان مساعدة الناس ونفعهم دليل التفوق والعلو، ولكن تلقي المساعدات منهم دليل التبعية وانحطاط المنزلة، لا يشترك في المظاهر العامة وينادى بنفسه عن التفاخر والتظاهر، وهو صريح في كراهيته وميوله وقوله وفعله، بسبب استخفافه بالناس وقلة اكتراثه بالأشياء.
لا يهزه الاعجاب بالناس او اكبارهم اذا لا شيء يدعو للإعجاب والإكبار في نظر، ، وهولا يساير الاخرين الا اذا كان صديقا ، لان المسايرة من شيم العبد، ولا يشعر بالغل والحقد ابدا، يغفر الاساءة وينساها ولا يكترث الحديث ولا يبالي بمدح الناس له او ذمهم لغيره. لا يتكلم عن الاخرين حتى لو كانوا اعدءا له ، شجاعته رصينة، وصوته عميف، وكلامه موزون، لا تأخده العجلة لان اهتمامه قاصر على اشياء قليلة فقط.
لا تأخده الحدة أو يستبد به الغضب لأنه لا يبالي بشيء، لان حدة الصوت وحث الخطى تنشأ في الشخص بسبب الحرص والاهتمام. يتحمل نوائب الحياة بكرامة وجلال ، بذلا جهده قدر طاقته وظروفه، كقائد عسكري بارغ ينظم صفوفه وبكل ما في الحرب من خطط. وهو افضل صديق لنفسه، يبتهج في الوحدة، بينما نرى الجاهل العاجز المجرد عن الفضيلة او المقدرة عدو نفسه ويخشى الوحدة. هذا هو الرجل المثالي في نظر ارسطو .
أرسطو و العدالة وبعدها الاجتماعي
يوحي مفهوم العدالة عند أرسطو إلى دلالتين: عامة وخاصة؛ فهو يشير في دلالته العامة إلى علاقة الفرد بالمؤسسات الاجتماعية، وهنا يكون مرادفا للفضيلة بالمعنى الدال على الامتثال للقوانين؛ فالإنسان الفاضل هو الذي يعمل وفقا للقانون، شريطة أن يكون هذا القانون مبنيا على أساس مبدأ الفضيلة. ومع ذلك فإنه لابد من الإشارة إلى وجود فرق طفيف بين مفهوم العدالة الكونية ومفهوم الفضيلة من حيث أن الأولى تقتصر على العلاقات بين الأفراد والمؤسسات، بينما تشمل الثانية علاقات الأفراد فيما بينهم. وأما العدالة بالمعنى الخاص فتدل على ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الفرد في تعامله مع غيره من أفراد المجتمع، وهنا تقترن العدالة بالفضيلة باعتبارها جزءا لا يتجزأ منها، وتدل على السلوك الفاضل في جميع مجالات النشاط الإنساني. إن العدالة بهذا المعنى تقتضي أن يقنع المرء بقسمته ولا يطمع بما في أيدي الناس وفي حقوقهم، وتعني الاعتدال، وهو الحد الوسط بين قيمتين متطرفتين أو بين الزيادة والنقصان، ومعنى ذلك أن يسعى الإنسان الفاضل دائما إلى الحصول على القسمة التي تمثل القيمة التي تقع بين الحد الأدنى والحد الأعلى، وهذا ما تدل عليه العبارة الأرسطية المشهورة: "الفضيلة هي الوسط". تدل هذه العبارة من الناحية العملية على أن يقنع الشخص الفاضل بأقل قدر ممكن.
إن العدالة بالمعنى السياسي للكلمة تدل عللا علاقة الدولة بمواطنيها، ولا تتحقق العدالة في هذا الإطار إلا إذا كان جميع المواطنين يتمتعون بنمط عيش مشترك يلبي حاجاتهم الأساسية، ويوفر لهم إمكانية الاستقلال الذاتي والحرية والمساواة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية بناء على مبدأ التناسب الهندسي أو مبدأ التناسب الحسابي حسب طبيعة النظام الاجتماعي-السياسي. ففي الأنظمة الأرستقراطية تتحدد المساواة بين المواطنين وفقا لمبدأ التناسب الهندسي، لأن توزيع الحقوق في هدا النظام يتم بالنظر إلى وضعية الأفراد واستحقاقاتهم، ويتحدد مفهوم المساواة في الأنظمة الديمقراطية وفقا لمبدأ التناسب الحسابي ما دام كل مواطن حر يتمتع بنفس الحقوق والواجبات. (1)
مؤلفات ارسطو :
تميزت كتب ارسطو بانها علميةجافة مجهدة موضوعة بلغة دقيقة لاتخلو من الاقتضاب والغموض وليس فيها حوار ولاقصص ولا شيئ من ما يتميز به افلاطون فهو يعين موضوع البحث ثم يسرد الآراء بهادا الموضوع وتعتبر مؤلفات ارسطو دائرة معارف تتناول جميع العلوم البشرية التي كانت معروفة في القرن (4) ق.م حيث وضع لكل علم كتاب خاص به ماعدا العلوم الرياضية وكانا اول من نضر الى العلم في مجموعة ووضع مبادئ التصنيف التام للعلوم يتمثل في مجموعة كتبه فعام عنده ينقسم الى نضري وعلمي بحسب الغاية التي ينتهي اليها .
فالعلم النضري ينتهي الى مجرد المعرفة ويقع على الوجود ويضهر عن ثلاث جهات :من حيث هو متحرك ومحسوس وهادا هو العلم الطبيعي ومن حيث هو مقدار وعدد وهادا هو العلم الرياضي ومن حيث هو موجود بالاطلاق وهادا هو مابعد الطبيعة .
اما العام العملي : فالمعرفة فيه ترمي الى غاية متمايزة منها وهده الغاية هي تدبير الافعال الإنسانية ودلك اما في نفسها وهادا هو العلم العملي بمعناه المحدود واما بالنسبة الى موضوع يؤلف ويصنع وهادا هو الفن ويدبر العلم العملي افعال الانسان بما هو انسان من ثلاث نواحي في شخصه وهو الاخلاق وفي الاسرة وهو تدبير المنزل وفي الدولة هو السياسة.(2)
(2) د-غريب سيد احمد :تاريخ الفكر الاجتماعي.دار المعرفة الجامعية 2004.ص146/147.
خاتمة
ونستنتج - مما سبق ذكره- أن بلاد اليونان هي مهد الفكر الفلسفي والثقافة العقلانية خاصة مع سقراط وأفلاطون وأرسطو، وقد تأثرت في ذلك بالحضارات الشرقية السابقة وبحضارات الشعوب المجاورة. ويعني هذا أن إرث الفلسفة لم يكن يونانيا محضا، بل ساهمت فيه الشعوب الشرقية بقسط وافر. كما أن تأثير الفلسفة اليونانية في الشعوب اللاحقة سيكون له أثر كبير في تطوير حضاراتها. وساهمت الفلسفة الإغريقية في عقلنة الفكر الإنساني بعد أن كان تفكيرا أسطوريا خرافيا وتخييلا شاعريا مجازيا وفكرا لاهوتيا يؤمن بالأفكار الوثنية والمعتقدات الدينية والنحل العر فانية الصوفية. ونلاحظ كذلك أن الفلسفة اليونانية لم تنشأ إلا في جو سياسي ديمقراطي ، وتعايشت مع العلوم والفنون والآداب وانصهرت في بوتقة فكرية واحدة كانت فيها الفلسفة أم العلوم والمعارف. ومن أهم المناهج الني استعملها الحكماء والفلاسفة اليونانيون منهج البرهان والإقناع والحجاج العقلاني ومناهج التعليم والتبليغ التي تتمثل في أسلوب التهيئة والحوار والأسطورة والشعر علاوة على مناهج الاستكشاف التي تستند إلى تشغيل الحدس واللجوء إلى التمثيل والاستعانة بالأمثلة والاستقراء والاستنباط والتحليل.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
قائمة المراجع :
د-غريب سيد احمد : تاريخ الفكر الاجتماعي. دار المعرفة الجامعية 2004
بحث جاهز للطباعة بعنوان تاريخ الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية
Unknown
on
4:03:00 ص
ليست هناك تعليقات: